قصة الردة - أعاذنا الله منها - :
قد تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إخباره بالفتن الكائنة بعده ، وإنذاره عنها ، وإخباره خاصة عن الردة .
من ذلك : ما في الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب ، فكرهتهما . فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين يخرجان" .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث من نجا منهن فقد نجا : من موتي ، ومن قتل خليفة مصطبر بالحق معطيه ، ومن الدجال" .
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر، وكفر من كفر من العرب ، قال عمر لأبي بكر : كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يقولوا: لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها؟، فقال أبو بكر : فإن الزكاة من حقها . والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق . قال عمر : والله لرجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة جميعاً في قتال أهل الردة" .
وذكر يعقوب بن سعيد بن عبيد ، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن جماعة قالوا : كان أبو بكر أمير الشاكرين : الذين ثبتوا على دينهم ، وأمير الصابرين : الذين صبروا على جهاد عدوهم -وهم أهل الردة- وذلك : أن العرب افترقت في ردتها . فقالت فرقة : لو كان نبياً ما مات .
وقالت فرقة : انقضت النبوة بموته . فلا نطيع أحداً بعده . وفي ذلك يقول قائلهم :
أطعنا رسول الله ما كان بيننا فيا لعباد الله ما لأبي بكر؟
أيورثها بكراً إذا مات بعده فتلك لعمر الله قاصمة الظهر
وقالت فرقة : نؤمن بالله . وقال بعضهم : نؤمن بالله ، ونشهد أن محمداً رسول الله ، ولكن لا نعطيكم أموالنا .
فجادل الصحابة أبا بكر رضي الله عنهم ، وقالوا : احبس جيش أسامة ، فيكون أماناً بالمدينة . وارفق بالعرب حتى يتفرج هذا الأمر . فلو أن طائفة ارتدت . قلنا : قاتل بمن معك من ارتد.
وقد أصفقت العرب على الارتداد . وقدم على أبي بكر عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس في رجال من أشراف العرب . فدخلوا على رجال من المهاجرين ، فقالوا : إنه قد ارتد عامة من وراءنا عن الإسلام ، وليس في أنفسهم أن يؤدوا إليكم ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن تجعلوا لنا جعلاً كفيناكم .
فدخل الصحابة على أبي بكر ، فعرضوا عليه ذلك ، وقالوا : نرى أن تطعم الأقرع وعيينة طعمة يرضيان بها ، ويكفيانك من وراءهما ، حتى يرجع إلينا أسامة وجيشه ، ويشتد أمرك ، فإنا اليوم قليل في كثير ، فقال أبو بكر : فهل ترون غير ذلك ؟ قالوا : لا. قال : قد علمتم أن من عهد نبيكم إليكم المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم ، ولا نزل به الكتاب عليكم . وأنا رجل منكم ، تنظرون فيما أشير به عليكم ، وإن الله لن يجمعكم على ضلالة ، فتجتمعون على الرشد في ذلك .
فأما أنا، فأرى أن ننبذ إلى عدونا. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
وألا ترشون على الإسلام ، فنجاهد عدوه كما جاهدهم .
والله لو منعوني عقالاً ، لرأيت أن أجاهدهم عليه حتى آخذه . وأما قدوم عيينة وأصحابه إليكم : فهذا أمر لم يغب عنه عيينة ، هو راضيه ، ثم جاء له . ولو رأوا ذباب السيف ، لعادوا إلى ما خرجوا منه ، أو أفناهم السيف ، فإلى النار .
قتلناهم على حق منعوه وكفر اتبعوه . فبان للناس أمرهم .
فقالوا له : أنت أفضلنا رأياً ، ورأينا لرأيك تبع. فأمر أبو بكر رضي الله عنه الناس بالتجهز ، وأجمع على المسير بنفسه .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -لما صدر من الحج سنة عشر- وقدم المدينة أقام حتى رأى هلال المحرم سنة إحدى عشرة ، فبعث المصدقين في العرب .