menu_bgservdownloadthemesdirforumhome
Smf عربى



المحرر موضوع: أصبح كل من يعرف الكتابة يتطلَّـع لأن يكتب للأطفــال !  (زيارة 3013 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بنت جزائر الأبطال

  • عضو شرف
  • *
  • مشاركة: 159
  • الشعبية: +3/-0
  • الجنس: أنثى
    • مشاهدة الملف الشخصي


أصبح كل من يعرف الكتابة يتطلَّـع لأن يكتب للأطفــال !

 أصبح الكتَّــاب يستسهلون الكتابة للأطفـال؛ ومن جهة أخرى، فإن هذا النوع من الكتابة أصبح مربحاً، أكثر من الكتابة الأدبية أو العلمية للقراء الكبار.
وتدفع المجلات العربية الموجهة للأطفال بســـخاء لمن يكتبون لهـا، رغبة في اجتذاب أفضل الأقلام والمواد لقــرَّائها الصغار؛ وهو هدف نبيل بحد ذاته.
غير أنه تحوَّل إلى دافع قوي، يحفز كل من يعرف بتسعيرة هذه المجلات إلى تعديل مسار قلمه، ليصبح كاتب أطفال !.
 وكانت النتيجة أن تزايد عدد كتَّاب الأطفال العرب؛ فبعد أن كانوا لا يزيدون عن عدد أصابع اليد الواحدة، منذ نصف قرن، أصبحوا الآن يعدون بالمئات.
 إذا اعتبرنا أن كاتب الأطفال هو كل من ينشر موضوعاً أو أكثر في سلاسل كتب ومجلات الأطفال. أما إذا خضع التعريف للتدقيق، فإن العدد يمكن أن يتضـاءل إلى بضع عشرات؛ ولكن – للأسف – لم يهتم أحد، حتى الآن، بهذا التدقيق الضروري.

و الظاهرة لا تخص العرب وحدهم، فقد قرأت مقالاً لمحررة مجلة أطفال أمريكية، تقول فيه إن الكتابة للأطفال أصبحت ( تجارة ) مربحة، وأنها – المحررة – تدفع ألف دولار أمريكي في مقابل الموضوع الموجَّـه للطفل – قصة أو مقال – الذي لا يزيد طوله عن 350 كلمة؛ وتضيف قائلة، إن صديقاً لها يتقاضى من مجلة للناشئة 1100 دولار، كل شهر، مقابل موضوعين
يكتبهما بالمجلة، وهي تعرف عنه أنه لا يحب الأطفال، بل ويرفض إنجابهم !. وقد تضاعف عدد كتَّــاب الأطفـال الأمريكييـن، أيضاً، فتشير إحصائيات معهد أدب الأطفـال، بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن عـــدد كتَّــــــاب الأطفال المستقلين، أو المراسلين ( من منازلهم )، كان 354 كاتباً، بالعام 1985؛ وقفز إلى  600 كاتب، مع نهاية القرن العشرين.

فهل الكتابة للأطفـال مهمة ســهلة، حتى أنها تغري الكتَّــاب وتجتذبهـم ؟

ومن واقع تجربتنا، نقول إنها ليست عملية سهلة – على الأقل في بداية الدخول إليها – فأنت حين تجلس لتكتب لهذه الكائنات البشرية الطالعة، ينبغي عليك أن تقدِّم لها قدراً مناسباً من المعلومات، في حيِّز صغير؛ وهذه هي أول صعوبة تقابل كاتب الأطفال. ثم تأتي صعوبة، أو تحدى، اللغة الخاصة، التي يجب صياغتها بحيث يتقبلها الطفل القارئ ويتفهمها. وقبل كل ذلك، عليك أن تبحث عن أفكار جديدة، مثيرة للدهشـة، تجذب انتباه الطفل، وتستولي على حواسه، وإلاَّ فإنه سيجد طريقه الســهل إلى تكنولوجيا المعلومات والتسلية، المرئية والمسموعة؛ فلماذا يجهد عينيه في عملية قراءة ( بغيضة ) لأفكار وموضوعات لا تهمه، ولا يراها جذابة، في حين أن ضغطة واحدة على زرٍ تفتح له أبواباً سحرية، لعوالم مليئة بالحركة، ولا حدود للخيال فيها ؟!. إن المنافسة بين المادة المكتوبة للطفل، وما تقدمه له الوسائط الأخرى المتعددة، غير متكافئة، وتميل كفتها لصالح هذه الوسائط المتجددة، في معظم الأحيان؛ ويساعد كتَّاب الأطفال غير المجيدين، وغير الموهوبين، على تكريس خسارة المادة المكتوبة، في مواجهة مصادر المتعة المعرفية التكنولوجية، التي تحيط بالأطفال، من كل جانب، وفي كل مكان.

ويميل كثيرون، ممن يكتبون للأطفال، إلى إنتاج المواد غير القصصية؛ ولعلهم – في معظمهم – يجدون ذلك أسهل من التعرض لتأليف قصص، فتكشف التجربة سوءات مواهبهم المحدودة. وإذا كانت الكتابة للطفل، بعامة، ليست سهلة، فإن كتابة قصة للأطفال أصعب. ومن مراجعتنا لجانب كبير من الإصدارات الموجهة للطفل، في عالمنا العربي، لاحظنـا أن المواد القصصية تحظى بمساحة ( معقولة ) – في المتوسط العام – بين هذه الإصدارات؛ وإن كنا نعلم – من واقع خبرة منقولة لنـا من أصدقاء يعملون في تحرير مجلات الأطفال – أن ثمة نقصاً واضحـاً في المواد القصصية الصالحة للنشر، وعلى وجه الخصوص، في القصص المصــوَّرة، أو السيناريوهات المرسومة.

وإزاء هذا النقص الواضح، يلجـأ القائمون على إصدار بعض مجلات الأطفال العربية إلى ( حشـــو ) المجلة بمـواد غير قصصية، مثل التغطيات والتقارير العلمية والتكنولوجية المبسَّـــطة؛ والمقابلات الشخصية مع الأعـــلام من رجال الفن والرياضة والعلم؛ وأخبار أنشطة الأطفال في المدارس والمنتديات؛ بالإضافة إلى مواد دينية ورياضية، لا تختلف كثيراً – في المظهر والجوهر – عن تلك التي ينفر منها الأطفال، والتي تحتشــد بها بعض الكتب المدرسية.

علينا أن نشير إلى جزئية مهمة أخرى، هي ضرورة أن تركز مجلات الأطفال العربية على اهتمامات بعينها، أي تعمل على أن تغلب عليها صبغة خاصة، تميز كل مجلة عن سائر المجلات؛ لأن انعدام هذا التركيز، أو ( التوجُّـه الخاص )، يجعل كل المجلات متشابهة، وفي هذا التشابه إفقـــــار للمائدة الثقافية التي ندعو إليها أطفالنا؛ أما التنــــوُّع، ففيه ثراء، وفوائده متعاظمة؛ فليتنــا نجد بعض مجلات الأطفال العربية ينهـــــج نهجاً تاريخيــــــاً، وآخر علمياً، وثالثاً بيئــياً، ورابعــــاً يهتم بالطبيعة، وخامســــــاً بالآثــــــار، وسادســـــاً بالألعاب والرياضة، وســــابعاً بالفنون ...إلخ. والجدير بالذكر أن هذا التنوع متوفر، إلى حد كبير، في ســـلاســـل الكتب التي تصدرها بعض مؤسسات النشر العربية العريقة.

وأخيراً، نأمل أن تلتفت مؤسساتنا الثقافية إلى أهمية الوسـائط المعرفيـة الأخـرى، وتســـنخدمها لتوصيل الخدمة التثقيفية للأطفـال العرب. إن جولة بين المواقع المخصصة للأطفـال الأوربيين والأمريكيين، في شــبكة المعلومات الكونيـة ( الإنترنت )، تبين لنا تزايد عدد هذه المواقع وتطورها، تصميماً ومحتوىً؛ وهي تتميز عن الوسيط التقليدي ( الورقي ) بأنها تتعامل مع الطفل المعاصر بلغة معاصرة يجيدها؛ ثم إنها توفر الجانب ( التفاعلي )، فلا يكون الطفل الذي يدخل الموقع مجرد متلقٍ، بل مشاركاً فاعلاً في الأداء.

وختاماً، فلقد أكثرنا من اســتخدام كلمات مثل ( ينبغي )، و ( يجب )، في هذا الحديث الذي نتوجه به – بالأساس – إلى كتَّــاب الأطفــال، أو من يرغبون في ممارسة الكتابة للصـغار؛ ونحن نعرف أنها كلمات ( توجيه ) ثقيلة الظل، ولم نكن نحب أن نستخدمها، أو – على الأقل – أن تتردد في حديثنا على هذا النحو؛ غير أن عذرنا في ذلك هو أننا كنا مدفوعين بالحماس والغيرة على فرع مهم جداً من فروع الكتابة؛ فلعل القارئ يلتمس لنا العذر؛ ولعله يجد فيما وضعنـــاه أمامه من خلاصة تجربتنا الشخصية ما يعينه على أن يجوِّد كتابته، من أجل أطفالنــا، الذين يســـتحقون أن نقــدم لهـــم كــل جميل ونافع.

للأمانة العلمية
بقلم: رجب سعد السيِّد