menu_bgservdownloadthemesdirforumhome
Smf عربى



المحرر موضوع: طاقة التحمل!  (زيارة 2476 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بنت جزائر الأبطال

  • عضو شرف
  • *
  • مشاركة: 159
  • الشعبية: +3/-0
  • الجنس: أنثى
    • مشاهدة الملف الشخصي
طاقة التحمل!
« في: 12 , أبريل, 2009 - 09:05:10 مسائاً »


في الإمكان أن نقول: إن كل شيء تحمَّله فوق طاقته فإنك تخسره، أو تكاد. وخسارتنا لما نحمَّله فوق طاقته أشكال وألوان.. فقد تتجلى الخسارة في فقده وانعدامه، كما لو ضغطنا على كأس زجاج رقيق أكثر من طاقته على الاحتمال. وقد تتجلى الخسارة في فقده لوظيفته مع بقاء مادته، كما لو حمّل مهندس بناء حديد التسليح في عمارة ينشئها أوزاناً فوق الأوزان التي يتحملها عادة؛ مما يؤدي إلى انهيار البناء بسبب اعوجاج الحديد.
وتتمثل الخسارة في بعض الأحيان لهذا الذي نحمَّله فوق طاقته في فقد فاعليته، أي أنه يؤدي عمله لكن على غير الوجه المطلوب، كما أن النتائج تكون أقل من المتوقع. إنك لا تستطيع أن تحمَّل مركبة ضعف حمولتها العادية، ثم تسرع بها كما يسرع الذي يقود مركبة تحمل حمولة عادية. وقد تتجسَّد الخسارة في عدم القدرة على الاستمرار في السعي إلى آخر الطريق كالمسافر الذي يتناول ما لديه من طعام وشراب على نحو مسرف، فإنه سيجد نفسه في مرحلة من المراحل عاجزاً عن متابعة المسير بسبب تحميله لزاده ما لا يحتمل من الاستهلاك، وكالذي يحمَّل بدنه ما لا يحتمل بإطلاق العنان لشهواته، فيجد نفسه هرماً قبل الأوان. وهناك أنواع أخرى للخسارة ...

إن لدينا الكثير من النصوص التي تؤكد مراعاة الشريعة لهذا المبدأ العظيم، منها قوله – سبحانه- : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)[سورة البقرة:286]، وقوله : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج)[سورة الحج:78]، وقوله : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)[سورة البقرة:185]، وقوله: ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)[سورة النساء:148]، وقوله: ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)[سور النساء:129]. وقال عليه الصلاة والسلام: "لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع الوضوء، ولأخرت العشاء إلى نصف الليل"، وقال لعائشة- رضي الله عنها- " لولا حداثة قومك بكفر لنقضت البيت، فبنيتُه على أساس إبراهيم، وجعلتُ له خلفاً فإن قريشاً لما بنت البيت استقصرت".


وكثيراً ما شاهدنا صداقات تتصدع وتضمحل، وكثيراً ما شاهدنا الأقرباء وقد فشت فيهم النزاعات والأحقاد والبغضاء. وكثيراً ما يكون السبب في كل ذلك هو أن الناس حمّلوا الصداقات والقرابات ما لا تحتمل من التبعات والتكاليف. نحن جميعاً ندرك ونقر أن للقريب حقوقاً وأن للصديق أيضاً حقوقاً؛ لكن الذي يحدث أننا نفاجأ بأن أقرباءنا وأصدقاءنا يريدون من الحقوق والمساعدات ما يتجاوز كثيراً توقعاتنا وأحياناً طاقاتنا.
 وهنا تبدأ المشكلة، حيث الاتهام بالتقصير من جانب والاعتذار والتنصل والتهرب والابتعاد من الجانب الآخر. إن ما بين الناس من ود ومشاعر طيبة، وما بينهم من قرابة ورحم يتحمل – ولا شك- طلب المعونة والخدمة، ولكن ليس من غير حدود. إن العلاقات تدوم وتدوم إذا قامت على قدر جيد من التكافؤ والندية، فإذا تحولت إلى علاقات لانتفاع أحد الأطراف واستغلالها من قبله؛ فأنها تنهار، وقد تنقلب إلى عداوة مستحكمة. إن كل صديق وكل قريب يقدم لأصدقائه وأقربائه شيئاً ما وينتظر منهم شيئاً؛ ومن المهم ألا ينتظر أكثر مما قدم إذا ما أراد للمودة أن تستمر.

إن الدرس الذي نخرج به من كل ما ذكر هو ألا نعلَّق توازننا العام ولا مستقبلنا ولا صلاح شؤوننا على شيء وحيد وفريد، حتى لا ينهار ذلك الشيء في نهاية الأمر، ونشعر أننا خُذلنا في ساعة كنا أحوج ما نكون فيها إلى المعونة والمؤازرة. والله مولانا