Smf عربى

المنتدى العام => القسم الإسلامى => الموضوع حرر بواسطة: بنت جزائر الأبطال في 31 , مايو, 2009 - 03:18:24 مسائاً

العنوان: محنة غزة..و اليسر إذ يلاحق الشدائد
أرسل بواسطة: بنت جزائر الأبطال في 31 , مايو, 2009 - 03:18:24 مسائاً
(http://img5.imageshack.us/img5/3905/2ymvqcxjpg.png)

(http://safadsoft.com/kleeja/image145.html)

عن مالك عن زيد بن أسلم قال: "كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم، وما يَتخوف منهم، فكتب إليه عمر بن الخطاب: أما بعد: فإنه مهما ينزلْ بعبد مؤمن من منزلِ شدةٍ يجعلِ الله بعده فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وأن الله تعالى يقول في كتابه:{يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}(الموطأ-رواية أبي مصعب الزهري:1/379)
(http://safadsoft.com/kleeja/image145.html)
و قد رُوي المعنى الذي أشار إليه عمر رضي الله عنه مرفوعا، فأخرج الحاكم في مستدركه عن الحسن-مرسلا- في قول الله عز وجل:{إن مع العسر يسرا}قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فرحا وهو يضحك وهو يقول: لن يغلب عسر  يسرين {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا}
و قال البخاري في تفسير سورة الانشراح:" قال ابن عيينة أي(إنّ) مع ذلك العسر يسرا آخر كقوله{ هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين }ولن يغلب عسر يسرين، قال ابن حجر:" وهذا مصير من ابن عيينة إلى اتباع النحاة في قولهم: إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غيرَ الأولى، وموقع التشبيه أنه كما ثبت للمؤمنين تعدد الحسنى كذا ثبت لهم تعدد اليسر، أو أنه ذهب إلى أن المراد بأحد اليسرين الظفر، وبالآخر الثواب، فلا بد للمؤمن من أحدهما."(فتح الباري:8/712)
قال الباجي:" ...وقوله رضي الله عنه: فإنه لن يغلب عسر يسرين قيل: إن وجه ذلك أنه لماّ عرف العسر اقتضى استغراقَ الجنس، فكان العسر الأول هو الثاني من قوله تعالى فإن مع العسر يسرا، ولما كان اليسر مُنكَّرا كان الأولُ منه غيرَ الثاني، وقد أدخل البخاري في تفسير سورة {ألم نشرح لك} بأَثر قوله تعالى {إن مع العسر يسرا} كقوله تعالى: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} فهذا يقتضي أن اليسرين عنده الظفرُ بالمراد والأجر، فالعسر لا يغلب هذين اليسرين، لأنه لا بد أن يحصل للمؤمن أحدُهما.."
(http://safadsoft.com/kleeja/image145.html)
الشدائد التي تتوالى على هذه الأمة لا تكاد توصف، و الأطماع التي تتحكم في الأقوياء لا تكاد تنتهي،  والضعف الذي يعانيه المسلمون لا يزال يغري بمزيد من الهيمنة و الاحتلال، و بعض ما تتعرض له الأمة بما كسَبت أيديها، و بعضه الآخر ناجم عن تربص خارجي لأدنى نهضة أو إفاقة تفاجئ مَن يطالع  ويستوعب تاريخ أمة كانت إلى الأمس القريب تستظل بظل دولتها أمم و شعوب، و الأهم من ذلك أنها أمة تربعت على عرش الأولية في قيادة الأمم ألف عام، كما كان يقول الشيخ الغزالي رحمه الله، و هذا هو الذي يدفع القوى الكبرى لليقظة و الحذر من احتمالات النهوض الحضاري، و لذلك نجد الحرص على قمع كل طموح و وأد أدنى حراك، يُشتمّ منهما الرغبة في استعادة مجد غابر، و تبوّء موقع يزاحم، و قد يدفع رئيس الوزراء التركي ثمن تصريحاته المثيرة، و التي أشار فيها إلى انتمائه للدولة العثمانية، التي حمت اليهود من بطش الغرب، الذي زرع-لاحقا-كيانا لليهود يضمن لهم مصالحهم، و يُبقي أمة العرب  والمسلمين تحت وطأة القهر و التخلف!
إنّ الصبر الذي يبديه بعض المستضعفين من هذه الأمة محير لهذا الغرب، و الصمود الذي يلوح إزاء كل عدوان يُصبّ: يزيد من عنف آلة الدمار لدى المحتل، فالغرب ينتقم بأثر رجعي لهزائمه، و اليهود يستحضرون هزيمة لحقت بمخططاتهم منذ خيبر، و لا مجال أمام هذه الأمة إلا أن تصبر و تثبت على المبادئ و المواقع، و أحسب أن اليهود من يشايعهم على يقين من  اندحارهم يوما ما، ما دام في الأمة عِرق ينبض بالإيمان، و مقدسات يُمسي  ويصبح المسلم على ذكراها.
(http://safadsoft.com/kleeja/image145.html)
أهمية ما نقلناه من نصوص تحث على الصبر، و تعِد بإحدى الحسنيين، و تبشِّر باليسرين إذ يصرعان العسر المنفرد: أنها تمدّ المرابطين على أرض الجهاد في فلسطين بمدد من اليقين بالنصر أو الشهادة، يغمران القلوب، و تتشرب بهما النفوس، و يبدو أن إخوتنا من أهل فلسطين قد تحلّوا بقدر من ذلك يثير الإعجاب، و إذا كان النبي صلى الله عليه و سلم نفسه-و هو المؤيد بالوحي و المقرب من ربه في خلوته و جلوته-قد ذاق من صنوف البلاء ما لا يكاد يوصف، و استبطأ الوحي إذ يتنزل، و النصر إذ يتأخر: فما الظن بمن جاء بعده بقرون، و قد أحدث في الدين ما أضر بالعلاقة بينه و بين ربه، قال تعالى:{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة  ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم، مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}(البقرة:214) و معنى ذلك أن المحن التي مرت بهم كانت من الشدة بحيث دفعتهم إلى أن يجأروا بالشكوى إلى ربهم، يبثونه ظلما قد طال،  ويستعجلونه نصرا تأخر، و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم نفسه يُصبِّر أصحابه بأخبار من مضى حين تزداد شكواهم، أخرج البخاري عن خباب بن الأرتّ قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيُشقّ باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه، من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليَتمّنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون."(فتح الباري:6/619)
النصر القريب الذي وُعد به مَن سبق من الأنبياء، و الأمن الشامل الذي أقسم النبي على تحققه-والذي يوحي بدولة مترامية الأطراف و هم محصورون أو محاصرون بين جبال مكة؟!-تترجمه أو تلخصه حقيقة اليُسرين اللذين يُلاحقان العسر أو يُصاحبانه، قال الزمخشري-يفسر تعلق قوله تعالى{فإن مع العسر يسرا.إن مع العسر يسرا} بما قبله:"كان المشركون يُعيِّرون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالفقر والضيقة، حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم، فذكّره ما أنعم به عليه من جلائل النعم، ثم قال:{ فإن مع العسر يسرا} كأنه قال: خوّلناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسراً، فإن قلت:إن {مَعَ }للصحبة، فما معنى اصطحاب اليسر والعسر؟ قلت: أراد أن الله يصيبهم بيسر بعد العسر الذي كانوا فيه بزمان قريب، فقرّب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر، زيادةً في التسلية وتقويةِ القلوب."
(http://safadsoft.com/kleeja/image145.html)
وقال سيد قطب:"إن العسر لا يخلو من يسر يصاحبه ويلازمه، وقد لازمه معك فعلا، فحينما ثقُل العبء شرحنا لك صدرك، فخف حِملك، الذي أنقض ظهرك، وكان اليسر مصاحباً للعسر، يرفع إصره، ويضع ثِقله، وإنه لأمر مؤكد يكرره بألفاظه:{ فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا }وهذا التكرار يشي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في عسرة وضيق ومشقة، اقتضت هذه الملاحظة وهذا التذكير، وهذا الاستحضارَ لمظاهر العناية، وهذا الاستعراض لمواقع الرعاية، وهذا التوكيد بكل ضروب التوكيد، والأمر الذي يَثقل على نفس محمد هكذا لا بد أنه كان أمراً عظيماً."
النبي نفسه قد احتاج من ربه إلى ما يؤنسه و يرفع وحشته، و يخفف مصابه، فما أحرى الأمة أن تتصبّر بمثل هذه المعاني، و أن تحتسب أجر ما تعانيه عند ربها، و أن تتحسب للمزيد من البلاء يُصبّ صبا، و لا مجال لها إلا أن تتعلق بربها، و أن تهتدي بسنة حبيبها، و بالسنن الكونية في البلاء: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين}(آل عمران:140)
الدكتور/ محمد عبد النبى
(http://safadsoft.com/upload//uploads/images/safad-soft-cf97bc123b.gif)