menu_bgservdownloadthemesdirforumhome
Smf عربى



المحرر موضوع: هذا الموت الذي نفر منه  (زيارة 2721 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بنت جزائر الأبطال

  • عضو شرف
  • *
  • مشاركة: 159
  • الشعبية: +3/-0
  • الجنس: أنثى
    • مشاهدة الملف الشخصي
هذا الموت الذي نفر منه
« في: 30 , مايو, 2009 - 04:16:13 مسائاً »




 إن الموت نهاية كل حي، ما في ذلك شك ولا ريب، ولكننا مع ذلك نتجاهله، ونغمض أعيننا دونه، ونعمل بكل ما في وسعنا على تناسيه، ونقبل على الحياة وكأنها خلود لا نهاية له ولا حد.
ولكن هذا الموت الذي نخافه ونتهيبه، يلاحقنا بعناد وإصرار، ويأبى علينا تجاهله وتناسيه، ولذلك تراه يذكرنا بنفسه باستمرار، فيعمد إلى اختطاف أحبائنا؛ من والدين وأزواج وذرية وإخوان وأصدقاء وجيران، وبذلك يبقي ذكره راسخا في العقول، وتوقعه مستقرا في القلوب.
    ولكن لماذا يسكن الخوف قلوبنا من الموت، وترتعد فرائصنا من مجرد ذكره، مع أن المتأمل في حقيقته ومآله يكتشف أنه رحمة أكثر منه نقمة، وراحة أكثر منه تعب؛ فهذا الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما رضوان الله، الموت أعظم مما قبله، وأهون مما بعده، ولعل خوفنا منه راجع إلى كوننا نعتقد أنه نهاية الحياة، وليس بداية لها، ونحن على رغم إيمان بعضنا بالحياة الأخرى، فإننا نتفاوت في علمنا وتسليمنا بها، كما أن مرد ذلك الخوف –فيما أرى- يعود لكوننا لم نتزود من الخير لها إلا قليلا.
 فلا مطمع لنا في النعيم المقيم، بل نحذر ما نتوقعه من عذاب أليم، ولو أننا آمنا بأن الموت بداية لحياة أهنأ وأرغد، وانتقال لعالم أجمل وأمثل، لكان لنا معه شأن آخر.


من ذلك أن هذا الموت الذي نخافه ونخشاه هو رحمة للفرد والمجتمع، فبالنسبة للفرد فإنه إن كان صالحا، عجل به إلى دار الأبرار، ورحمة الحليم الغفار، وإن كان طالحا، عاجله فاختصر أيامه، وحال بذلك دون تفاقم ذنوبه، وتكاثر آثامه، فلا يطول مكثه في النار يوم يقضى بين الناس الملك الجبار، وأما بالنسبة للمجموع، فإن الموت الذي يصيب البعض فيبدو وكأنه نقمة حلت بهم، فإنه يكون للبعض الآخر سببا للحياة، إذ تنتقل إليهم ثروة الهالك، فيغتنون بعد فقر، أو تتوفر لهم الوظائف والأعمال التي كان يشغلها، ويحول بينهم وبينها في حياته، فالموت إذن هو الذي يعيد تنظيم الحياة الاجتماعية، ويرجع إليها توازنها الذي فقدته، ويصحح الخلل الذي حرم البعض من المال والعمل.

وليس هذا فحسب، فلو تصورنا أنه كتب الخلود للبشر، لضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولما كفتهم مواردها، ولا امتنعت عليهم أسباب الحياة لكثرتهم، ومن هنا كان الموت رحمة بهم، وأصلح لهم من حياة يحكمها الصراع، وأسباب التنازع على البقاء، وإذن أحرى بنا أن نرحب بالموت بدل من أن نفر منه، فسبحان الذي يخرج الحي من الميت والميت من الحي ويرزق من يشاء من حيث لا يحتسب.